القدس بين أعوان عباس وأعيان حماس

للطباعة
القدس بين أعوان عباس وأعيان حماس

د. محمد البرزنجي | 10-12-2010 22:14

بقيت أسوار المدينة القديمة وجدران المسجد العتيق صامدة بالرغم من هدم البنيان وقضم الجدران ولكن لم تصمد قيادات الفصائل أمام مكر العدوان وقلة الأعوان, فتقطعت أوصال الوطن من سهول ووديان وشطآن وأصدرت محاكم المحتل الفرمان تلو الفرمان وانطلقت جرافاته وآلياته تهدم منازل القدس في ظل تناحر الإخوان وتخاذل الأعوان وتمادي العدوان .

هموم الفرد العادي من هذه الأمة هموم كثيرة ومتشعبة يكاد الإنسان يغفل عن مآسي إخوانه وهو منشغل بتضميد جراحه في بلده و ما أكثر جراحاتنا اليوم في مختلف بلاد المسلمين ومع كل تلك المآسي الخاصة والعامة لا نكاد ننسى القدس والقضية ؟ والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين وساكني بيت المقدس وأكنافه؟ ومهجري فلسطين ومشرديه فتلك قضية في وجدان كل إنسان ورمز لكل ظلم واقع في جميع البلدان .

أود أن أدخل في الموضوع بعد هذا التمهيد الوجيز وأرجو أن أوفق لتسجيل ما ذكره الناقدون من مؤاخذات على كبريات الفصائل دون محاباة

دعنا نتحدث عمن يقودهم و يحكمهم فالناس على إثر من سادها وتأمرها. لقد اصطف الشعب الفلسطيني في هذه الظروف الصعبة وراء قيادات ثلاث قيادة حماس وقيادة فتح وقيادة الجهاد!!! قلت في نفسي سبحان الله حتى في ظل الاحتلال والضياع والشتات ثلاث قيادات!! نعم هنالك فصائل أخرى معروفة على الساحة ولكن الثلاثة يشغلون الحيز الأكبر من استقطاب الطاقات والقدرات ويتساءل الكثير من النقاد عن حركتي الجهاد وحماس ما الذي يفرقهم ويميزهم عن بعض؟! فكلاهما يقول الإسلام هو الحل وكلاهما يرى المقاومة طريقا أوحد للتحرير..وكلا هما يرى أن المفاوضات لا تسمن ولا تغني من جوع إذا فما الداعي للفرقة؟ وإذا كانت حماس قد عابت على جهاد بالأمس بأنها تتلقى الدعم من الجارة البعيدة إيران فها هي حماس اليوم تفعل ما كانت تنهى عنه!!. فلعل الأطراف الداعمة تؤثر وتشوش وتضغط ولها أجندتها الخاصة ؟...ولكن ذلك لا يقف عائقا في طريق الوحدة إذا صدقت النية من الداخل فالله هو الموفق ألم تقرأ قول الله تعالى(إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما). فإرادة الإصلاح نقطة الانطلاق الصحيحة .......

ثم الناس بعد ذلك يتساءلون عن سبب الجفاء بين فتح وحماس والذي أدى إلى رفع السلاح في وجه البعض وسفك الدماء واحتجاز الشباب من الطرفين وراء القضبان ؟؟أليس ذلك وصمة في جبين من تحملوا مسؤولية القضية؟ ثم ألا توجد عوامل مشتركة بينهما تصلح لرأب الصدع بينهما ؟فكلاهما عربي, مسلم ,فلسطيني بل ومن من مذهب واحد!! بعض النقاد يقولون هنالك فرق في المشروع فحماس تريد أن تكون سياسة الحكومة شرعية ولا ترى للتحرير طريقا غير المقاومة بدل المساومة ولعل شرارة الخلاف بدأ بسؤال حماس عن مصير مليارات الدولارات من أموال المعونات الدولية التي اختفت بين المسؤولين اختفاء الأثير في الهواء وذابت في جيوب بعض الساسة ذوبان الملح في الماء.!! وأما فتح فترى غير ماتبصر حماس وتركض وراء عملية التفاوض التي غدت سرابا ويبابا !! ولكن أبناء الشعب الفلسطيني يقولون هل لدينا فسحة من الأرض مستقلة سياسيا ومكتفية ذاتيا بعيدة عن حراب العدو حتى نجعل ذلك الاختلاف سببا للتقسيم والتقطيع ؟ وإذا استطاعت حماس أن تحكم غزة المحاصرة لوحدها وتطبق ما تراه صوابا وكذلك فعلت فتح في رام الله فهل نستطيع اختزال القضية في غزة ورام الله؟

ثم إن الناقدين يقولون إن حماس ومن قبلها جهاد وقعت في شباك إيران وهي التي دوخت المجموعة الأوربية في مفاوضاتها الحلزونية فما بالك بحركة محاصرة كحماس ؟! والدعم في عالم السياسة لا يكون بدون مقابل أو تنازلات. وبالتالي فإن هذا الدعم يزيد المعضلة الفلسطينية تعقيدا ..ونحن لا ننكر أن اتخاذ المواقف أمر صعب يحتاج إلى موازنات بين المقاصد الكبرى من جهة وبين الأدلة التفصيلية للأحكام من جهة أخرى مع مراعاة مصالح الناس الضرورية وواقعهم المعاش السريع التقلب والتغير.....ولقد ذكر عدد من النقاد أمثلة من التنازلات التي تقدمها الفصائل لا تخفى على العيان ولأسباب عدة لعل منها خشية انقطاع حبل المساعدات المالية والدعم السياسي! لا ادري فالله أعلم !!ونحن لم نؤمر بشق الصدور وكشف النوايا من المستور ولكن إن كان ما يقول الناقدون صوابا فتلك مصيبة لحصول خدش في توكلنا على الله وأخشى أنا قد نسينا أن الله عز وجل نصرنا يوم انقطعت جميع الحبال المرئية يوم حرب غزة! ولم يبق إلا حبل الله المتين وعونه المكين! فلما انتهت ساعة الضيق أدخلنا في خوفنا ورجاءنا قوى دنيوية زائلة ؟!غفرانك اللهم.

ولكن النقاد من طرف آخر يقولون ماذا تفعل حماس والجهاد إذا أوصد الإخوة العرب أبوابهم في وجوهم فهل يموتون جوعا وبردا وعطشا ومرضا؟!وهم في انتظار العون؟؟ فالاضطرار وعدم التفات الإخوان هو الذي دفعهم إلى دائرة أبعد الجيران إذ لما تخلى العرب عن الفلسطينيين وسكتوا عن حصار غزة وأيدوا عملية السلام العبثية دخلت إيران على الخط وازدادت الأمور تعقيدا.ولقد ذكرلي أحد الإعلاميين( والذي يعينني بمشورته الإعلامية كثيرا جزاه الله خيرا) قال كنت في جمع من الإعلاميين والصحفيين فسألنا قائدا حمساويا بارزا من قيادات المهجر عن ذلك فأجاب قائلا: هل دعمنا إخوتنا من الدول العربية الشقيقة حتى نمتنع عن قبول العون الإيراني؟! لم يدعمنا إلا بعض الأشقاء وهم قلة .

على أية حال نحن لسنا في موقع المحاسبة بل في موقف النقد البناء كلون من ألوان المناصحة ونريد أن نقول:إن الضغط الخارجي وكذلك الدعم الخارجي سواء كانا من أمريكا أو من إيران قد زادا من تعقيدات القضية وزادا من الفرقة بين فتح وحماس والبقية.

ثم الجدير بفصائل المقاومة أن لا تكون طرفا في الصراع الدائر بين بعض الدول العربية من جهة وإيران من جهة أخرى أو بين إيران وأمريكا من جهة أخرى وهذه الصراعات تتبع المصالح السياسية المتقلبة ولعل قادة تلك الدول يجلسون يوما ما على مائدة مستديرة أو تلتقي مصالحهم وقد حدث ذلك فعلا كما التقت مصالح أمريكا وإيران في العراق في إسقاط بغدا د سنة 2003 وسموا ذلك تقاسم الكعكة(أي أن دولة العراق أصبحت كعكة جاهزة للتقاسم والأكل) وأمثلة أخرى كثيرة لتقلبات عالم السياسة فما الداعي إذن لانشغال الفلسطينيين بهذه الصراعات والمصالح السياسية المتقلبة المتلونة تلون الحرباء ؟؟

الأولى بالفصائل أن تبتعد تماما عن الصراعات السياسية والمحاور المتعددة في المنطقة كي لا تدخل في المعادلة أطراف عديدة وتفرض شروط جديدة تعقد الأمور وتزيد الأمة فرقة وشتاتا.

والصواب أن تجتمع الأمة على قضية فلسطين بدلا من أن تفترق بسببها ؟! ولكن ذلك عسير من دون وحدة الصف الفلسطيني..