سخافة أمريكية!!

جمال سلطان | 31-10-2010 00:14

أشفقتعلى آلة الدعاية الأمريكية أمس عندما شاهدت بعض ما سربته إلى الإعلامالعربي والعالمي عن مباراة كرة قدم نسائية أجريت في العاصمة الأفغانيةكابول ، في ركام الفقر والدم والنار ، بين فريق نسائي أفغاني مزعوم وفريقيمثل قوات الاحتلال الأجنبي للبلاد ، وكان الخبر السار للغاية والذي أدخلالبهجة على قلوب ملايين الأفغان أن فريق النساء الأفغاني هزم فريق النساءالأمريكي في المباراة بهدف نظيف !!، من لم يشاهد التقرير الذي بثته قنواتعربية أمس وأخرى عالمية قد يتصور أنني أتحدث هنا عن نكتة أو أمزح ، وهومحق في ذلك ، لأن الموقف كله نكتة ، ولكنها نكتة حقيقية بقدر ما هي شديدةالسخافة .

في أفغانستان لم نسمع عن فريق لكرة القدم للرجال أصلا حتى نسمع عنفريق نسائي ، كما أن المجتمع الأفغاني شديد المحافظة والالتزام الدينيوالذي عجزت حملات التغريب على مدار أكثر من خمسين عاما على بث القيمالأوربية فيه ، لا يمكن أن نتصور أن الأمريكان استطاعوا أن يحولوه بينعشية وضحاها إلى المجتمع الإيطالي أو السويسري مثلا ، بحيث تمارس نساؤهرياضة كرة القدم وتخوض مباريات ويلعبن الكرة باحتراف كمن له سنوات فيالتدريبات الفنية على أيدي خبراء في برشلونة وريال مدريد ، ولكنها آلةالتضليل الأمريكي التي وصلت إلى حدود بعيدة في الإسفاف والفشل حتى فيممارسة الدعايات الإعلامية المضللة .

كان الملاحظ أن المباراة المضحكة قد أقيمت في منطقة منعزلة ، وتمحصارها بقوات المارينز المدججة بأسلحة حديثة واستعراضية ، وهي الأسلحةالتي ظهرت أمام المشاهدين بوضوح ، بخلاف الحصار المدرع الآخر ـ الذي لميظهر في الصورة ـ والذي أحاط بالمنطقة التي أجريت فيها المسرحية الأمريكيةالسخيفة ، كما أن تلك الفتيات التي كن يلعبن الكرة كمتدربات بالفعل لايمكن أن يكونوا من بنات كابول أو قندهار ، وإنما من بنات واشنطن وديترويتودنفر وسياتل الذين يحملون الجنسية الأمريكية ولادة ونشأة وهوية ، وإنكانت الأصول البعيدة لهم أفغانية ، أتوا بهن لهذا الاستعراض السخيفمتصورين أنهم بذلك سوف يوهمون العالم بأنهم نجحوا في اختراق المجتمعالأفغاني وإعادة صياغة قيمه وسلوكياته بما يتوافق مع نمط القيم الأمريكية، وهو ما يوحي بأن الأمريكيين حققوا نصرا مهما في معركتهم ضد "التشدد"الطالباني ، بينما الحقيقة أن جنودهم يسفون التراب في كل مكان بأفغانستانتحت وقع ضربات المقاومة الأفغانية ، وفي ظل تقارير دولية متكاثرة الآنتؤكد على هزيمة حتمية لقوات الاحتلال في أفغانسان ، وأن الحلم الأمريكيبهزيمة طلبة الشريعة هو وهم لا مكان له في الواقع .

وأذكر أنه في بدايات الغزو الأمريكي لأفغانستان قبل عدة سنوات راحوايوزعون صورا وتقارير إعلامية على القنوات الفضائية العربية والعالمية تصورالشباب الأفغاني وقد تزاحم على دور السينما لمشاهدة الأفلام الهنديةوالأمريكية ومحلات الحلاقة ازدحمت بالرجال الذين يرغبون في حلق لحاهم ،وظهور الملاهي الليلية التي تؤمها "الراقصات" الأفغانيات للترفيه عن الشعبالأفغاني الذي أزعجته ممارسات طلاب الشريعة الذين حكموا البلاد عدةسنوات!! ، ثم انزوت تلك الحملات الإعلانية المضللة بعد أن استسخفها العالمواستسخفتها تقارير إعلامية وصحفية محايدة من كابول والمدن الأفغانية .

مشكلة الأمريكان أنهم يتصورون أنه ما زال بإمكانهم أن يعيدوا صياغةعقول البشر وفق لعبة الإعلام المزيف أو المضلل والصورة وأفلام هوليود ،رغم أنهم هم الذين سوقوا للدنيا حقيقة أن العالم أصبح قرية واحدة ، وأنمصادر المعلومات والحقائق لم تعد أسيرة الأجهزة الأمنية والاستخباريةوحدها ، حتى لو كانت في جبال أفغانستان أو أحياء كابول المنسية ، وبالتاليسيكون من السخافة المهينة للأجهزة الأمريكية نفسها أن تتصور أن العالمسيصدق أن نساء كابول يشكلن الآن فرقا لكرة القدم النسائية ، أو أن أطفالالمدارس في كابول يحملون العلم الأمريكي وصور الزعيم أوباما .
almesryoongamal@gmail.com