أ.د.عبد الحليم عويس |
31-10-2010 00:11 وقعبيني وبين رئيس تحرير مجلة المنهاج الشيعية الصادرة من بيروت نوع منالحوار، أصر أن ينشره مشكورا في الافتتاحية (العدد 16) للسنة الخامسة،وكان مما أخذته على الفكر المطور الرصين في المجلة أن المصادر معظمهاشيعية: تفسيرا أو حديثا أو فقها أو أدبا أو تاريخا، وأنها إذا تعاملت معمصادر أهل السنة فإنما تتعامل معها كما يتعامل الانتقائيون؛ فهي تنتقيمنها ما يؤكد القضايا الفكرية المذهبية الخاصة بها، ثم تفسر النقول تفسيرايخدم الآراء المطروحة، ثم توضع الهوامش بطريقة تجعل بعض ضعيفي الثقافة منأهل السنة مبهورين بها، عاجزين عن استيعاب مجموع ما ورد فيها، فضلا عنالرجوع إلى مظانها والرد عليها.
* * *
وفيرده المهذب على ما قلته ذكر أنه ينبغي أن نوضح أن التقارب المنشود بينأجزاء الأمة الإسلامية، وبخاصة بين جزئيها الأساسيين: السنة والشيعة، لابدمن أن يسبقه – في المرحلة الأولى – سعي مخلص حثيث من قبل كل منهما إلى أنيتفهم الآخر، ويطلع على رؤاه ومواقفه المذهبية المتصلة بمختلف مسائل الدينوالعقيدة.
فتلك هي البداية العلمية الصحيحة التي تمهد لكسر الحواجزالنفسية بينهما، وتسهم في إزالة كثير من عوامل سوء الفهم، وفي تصحيحالشبهات والتصورات الخاطئة التي يحملها كل فريق عن الفريق الآخر، وتؤدي فيالنهاية إلى أن يدركوا معا أن شقة الخلاف بينهما، لا تتعدى مساحة ضعيفة لاتقارن في حجمها بمساحة الوفاق التي تتحد فيها رؤاهما المذهبية، سواء فيأصول العقيدة أم في فروع الشريعة أم في المفاهيم والقيم والأخلاق الدينيةالعامة. وبذلك ينفتح أمامها المجال واسعا للوصول إلى تقارب حقيقي، يتم فيهالتواصل والتعاون والتكامل بينهما على مختلف الأصعدة، لا سيما في هذاالزمن الذي تواجه فيه الأمة الإسلامية تحديات هائلة، وقوى عالمية شرسة،تسعى إلى استئصال المسلمين جميعهم....سنة وشيعة.
* * *
والحق أني أؤيده في هذا الرأي الحصيف، وأعتقد أن الأستاذ أحمد الكاتب الذيورث جهود (علي شريعتي) و(موسى الموسوي) – الموضوعية؛ هو المؤهل الأولللقيام بهذا الدور، وتحقيق هذا الأمل.
* * *
وثمة ميزان لا يجوز أن يغيب عن البال في تقويمنا لقضايا التاريخ، ألا وهوأن الأعمال أهم من الأقوال، وأن الأفعال مقدمة على الأحساب والأنساب؛ فنسبالإنسان هو علمه وعمله، فلو ادعى شخص ما أنه من أهل البيت وكان فاسقافاجرا، فإننا نرد دعواه؛ فالانتساب لأهل البيت ليس مجرد أنساب تنتحل ليصلبها منتحلوها إلى الربط بينهم وبين الحسن والحسين وأبيهما الإمام علي رضيالله عنهم أجمعين....وكم عرفنا في القديم والحديث صورا من هذا الانتحال،لكي يصل هؤلاء المدعون إلى نقابات الأشراف، أو هيئاتهم، وينالواامتيازاتهم الدينية والأدبية والاجتماعية، وقد ينتقلون من ذلك إلىالمطالبة بحقهم في الحكم.
وإذا نظرنا إلى بعض هذه الدول والجماعاتالتي انتحلت النسبة إلى آل البيت، وجدناها كانت في سلوكها واستهانتهابالدماء وتبديدها لطاقة الأمة، وتمكينها لليهود والنصارى من بلادالمسلمين، واعتمادها على البدع والخرافات والاحتفالات والمواكب إلهاءللشعوب وإبعادا لها عن التفكير العلمي السليم، بل عن العلم والعملمعا...... وجدناها بهذا كله بعيدة كل البعد عن أخلاق آل البيت الذين يجبأن يكونوا قدوة للمسلمين كلهم، وحتى لو كان نسبهم إلى آل البيت صيحا،وكانوا لا ينتهجون منهج الإسلام، فإن هذا لا يغني عنهم شيئا، ورسول اللهعليه الصلاة والسلام يبين لنا هذا حين يقول: " من بطأ به عمله لم يسرع بهنسبه ".
لقد كان انتقام العبيديين الإسماعيلية الذين عرفوا في التاريخباسم (الفاطميين) من خصومهم (أهل السنة) مرعبا ولا إنسانيا ، فقد كانوايحرقون بعضهم أحياء، ويسلخون جلودهم، كما فعلوا بأبي يزيد بن مخلد ، بلكانوا يخرجون الموتى من أهل السنة من قبورهم ليحرقوهم أو ليمثلوا بهم، إنكان قد بقي فيهم شيء يسمح بالتمثيل.
وكانوا يبيدون قرى بأكملها لمجردأن أهلها ليسوا على منهجهم الباطني، وقد هدموا مساكن عاصمة الأغالبةودمروا آثارها كلها...وغير ذلك كثير، فهل هذه الأفعال ترضي النبي وآله؟!
ودعنا من انتحال الأنساب، فكثير من هذا الانتحال موجود في عصرنا، وتدفع لهالأثمان في شكل رشاوى أو هدايا......فما تغني الأنساب عن الإنسانيةوالأخلاق والقيم شيئا.
ومن العجيب أن تجد من يدافع عن هؤلاء الذينأذاقوا المسلمين الويلات، وسموا لأعداء الإسلام أن يتسلطوا على المسلمينوأن يعبثوا بحياتهم، فنجد أحدهم يقول في معرض تمجيد الفاطميين: "إنالفاطميين هم الذين بنوا الأزهر الشريف" ، ثم يصادر حق البحث التاريخيقائلا: " إن الطعن في الإسماعيلية الفاطمية جريمة تاريخية " . وينحدرالكاتب إلى مستوى من الحقد والتجني فيطلق على بطل الجهاد الإسلامي وقاهرالصليبيين في حطين ومنقذ مصر والشام والعالم الإسلامي من خرافات الدولةالفاطمية التي كانت قد سقطت فعلا قبل أن يسقطها هو رسميا.....يطلق عليه "هولاكو الدين الأيوبي " ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا)(الكهف : 5).
فالعالم الإسلامي كله يعرف قيمة صلاح الدين الأيوبي الذي أنقذ المسلمين من خطر التعاون الإسماعيلي الفاطمي مع الصليبيين .....
ويستمرالجاهل في دفاعه عن هؤلاء العبيديين (الفاطميين)، فيقلب حقائق التاريخ ،ويزعم أن صلاح الدين إنما جاء إلى مصر بدعوة من الخليفة العاضد " العاجز "، مع أن الثابت تاريخيا أن صلاح الدين وفد إلى مصر مع عمه أسد الدينشيركوه، حينما استجار شاور بنور الدين محمود يستقوي به في صراعه ضد ضرغام.
ولكن ماذا نقول لمن يتجاوز كل الحدود الأخلاقية والأمانة العلمية في البحث التاريخي المنهجي.
إننا نقول لهؤلاء الذين يدافعون عن المفسدين في الأرض، والذين كان منحكامهم الحاكم بأمر الله الذي يعلم الجميع تصرفاته الحمقاء وكفره الظاهر،نقول لهم: نعم، إن العبيديين بنوا الأزهر ولكنهم ما بنوه ليخدم الكتابوالسنة وعلومهما، وإنما بنوه ليكون قلعة الدعوة الإسماعيلية الباطنية،وحسبنا أنه كان من أساتذته اليهود والنصارى الذين يعلمون الناس المذهبالإسماعيلي الفاطمي. وقد بنوا بعده دار الحكمة بعد أن رأوا الأزهر مكانالا يصلح إلا للعامة، فأسسوا الأخيرة لتكون مكانا لخاصة أهل المذهبوالمنظرين له، والقادرين على أن يقتبسوا من الفلسفات الوثنية ما يرفعون بهمذهبهم الباطني المغلوط.
ونقول لهؤلاء أيضا: لقد صدقتم، فقد بقيتحضارة الفاطميين إلى يومنا هذا، لكن السؤال هنا: ماذا بقي منها؟ إنها مابقيت إلا في "الكنافة" و"القطايف" والموالد والاحتفالات التي لا أصل لهافي دين الله، وإنما هي تقديس أشخاص لا يملكون نفعا ولا ضرا، ولعلهم أبرياءمما يجري باسمهم!!!
وحسبنا أن نحيلهم إلى كتاب الأستاذ المرحوم جمال بدوي الذي سماه "الدولة الفاطمية: دولة التفاريح والتباريح".
لقد كانت هذه التفاريح والتباريح – كما ذكر الأستاذ بدوي - مؤامرة لإلهاءالشعب، ولصرف تفكيره عن مخطط المبادئ السرية التي أخذت تشق طريقها مخالفةكل المخالفة للقرآن والسنة الصحيحة، ومخالفة كذلك لعهد الأمان الذي أعطاهجوهر الصقلي للمصريين، ملتزما فيه بعدم التدخل في عقائدهم وإبقاء كل شيءعلى ما هو عليه.
إن التاريخ يذكر أن هؤلاء العبيديين (الفاطميين) بعدأن استتب لهم الأمر ضيقوا على علماء السنة المخلصين واضطهدوهم ونكلواببعضهم وقتلوا آخرين، وهم العلماء الذين كانوا يريدون الحفاظ على الكتابوالسنة ويرفضون تقديس الخلفاء الفاطميين الذين يدعون لأئمتهم العصمة، بلوالذين يريدون أن يمهدوا لكي يكونوا آلهة على غرار الحاكم بأمر الله الذيوصل بالأمر إلى منتهاه.
إننا نقول لهؤلاء المجترئين على الإسلاموالتاريخ: إن كنتم لا تعلمون فاقرأوا وتعلموا ، وإن كنتم تريدون الحقفنسأل الله أن يريكم الحق، وإن كنتم تريدون مؤازرة الباطل، فإن الحق هوالغالب أبدا لأن الله هو الحق.
* أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية
رئيس تحرير مجلة التبيان